من بذور السمسم إلى بذور النجاح
في قلب مديرية أحور بمحافظة أبين، كان محمد باهارون، وعبد الله سعيد، وعبد الله صالح، ومحمد أحمد يعيشون حياة مليئة بالتحديات في منطقة نائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، فقد ألقت الحرب بظلالها على كل شيء، ووضعت أمامهم عقبات لا حصر لها، وفي ظل غياب فرص التعليم، وتزايد صعوبات العيش اليومية، كان الأفق يبدو ضبابيًا، وأحلام هؤلاء الشباب تكاد تتلاشى أمام قسوة الواقع.
على الرغم من صعوبة الظروف، ظلوا يحلمون بيومٍ أفضل، إلا أن الحياة كانت تأخذهم إلى مساراتٍ ليس لهم خيار فيها، فلم يكن أمامهم سوى العمل في الحقول أو البحث عن فرص رزق بسيطة لانتزاع لقمة العيش، ومع مرور الأيام، ازدادت قسوة الحياة، ولكن الأمل كان يلوح في الأفق من حيث لا يتوقعون.
في لحظة مختلفة، جاءت الفرصة التي قلبت حياتهم رأسًا على عقب، تم اختيارهم للمشاركة في البرنامج المشترك لدعم صمود سبل العيش والأمن الغذائي والتكيف المناخي (ERRYIII)، الذي نفذته مؤسسة تنمية القيادات الشابة في عام 2024م بتمويل من الاتحاد الأوروبي وحكومة السويد، وبالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي استهدف عدة مناطق في اليمن، بما في ذلك مديرية أحور في محافظة أبين، لمدة ستة أشهر، حيث قدم لهم البرنامج تدريبًا في مجالات الطاقة المتجددة وريادة الأعمال، ما أتاح لهم فرصة لتعلم أشياء واكتساب مهارات جديدة تنقذهم من شبح الفقر.
لم تكن التدريبات مجرد محاضرات نظرية، بل كانت تجربة حقيقية تعلموا من خلالها أمورًا لم يفكروا بها من قبل، فمن خلال تدريب ريادة الأعمال تعلموا كيف يحسبون تكاليف مشاريعهم وكيف يخططون قبل البدء، وفهم احتياجات أهل قريتهم والبحث عن أفكار تلبيها، بدلًا من الاكتفاء بالبحث عن عمل عند الآخرين، والأهم من ذلك، طريقة تفكيرهم التي غيرها التدريب، وجعلهم أكثر ثقة بأنفسهم، وأدركوا أنهم قادرون على بدء مشاريعهم الخاصة بدلًا من انتظار الفرص تأتي إليهم، يقول محمد باهارون: "كنا نعتقد أن النجاح يعتمد فقط على الحظ أو على من يملك المال، لكن اكتشفنا أن التخطيط الجيد والفهم الصحيح لأي مشروع يمكن أن يصنع الفرق."أصبحوا أكثر وعيًا بكيفية إدارة النفقات، وتجنب الأخطاء التي يقع فيها كثيرون عند بدء مشاريعهم، مثل شراء معدات غير ضرورية أو عدم حساب التكاليف بشكل دقيق، وكيفية دراسة السوق، وتقديم شيئًا يستفيد منه الجميع، وليس مجرد فكرة عشوائية.
ويتابع قائلًا: " صرنا نساعد بعضنا، نتناقش ونشارك الأفكار، لم نعد نفكر في المشكلة فقط، بل في الحلول الممكنة، وهذا بحد ذاته تغيير كبير بالنسبة لنا."
ومن ثم الانتقال إلى تدريب الطاقة المتجددة حيث تعلموا كيفية تركيب أنظمة الطاقة الشمسية وصيانتها، وتعرفوا على الفروقات بين أنواع الألواح والبطاريات، وكيفية تحسين كفاءة الأنظمة الشمسية لاستخدامها في مشاريع مستدامة ملخصا الاستفادة بقوله: "لم نكن ندرك حجم الفرص التي يمكن أن توفرها لنا الطاقة المتجددة حتى خضنا هذا التدريب، لقد فتح لنا أبوابًا جديدة وغير طريقة تفكيرنا بالكامل".
اجتمعوا أربعتهم ليتشاركو إعداد مقترح مشروعهم من خلال ما تعلموه في فترة التدريب، لتأتي ثمرة جهدهم المتواصل وصبرهم الكبير وهي إعلان فوز فكرة مشروعهم بالدعم المالي، فبعد أن كان تفكيرهم يصب فقط في البحث عن عمل هنا وهناك، قاموا بابتكار فكرة معصرة سمسم تتميز عن غيرها في منطقتهم والأولى من نوعها كونها معززة بروح الابتكار، حيث سيتم تزويدها بنظام طاقة شمسية ، والذي سيؤدي بدوره حتما إلى تقليل التكاليف مقارنةً بالمعاصر التي تعتمد على الديزل وزيادة ساعات التشغيل مما سيزيد من أرباحهم ويجعل المشروع أكثر استدامة على المدى الطويل، مشكلا نقطة تحول حقيقية للمعاصر التقليدية وللمنطقة بأسرها ويقول موضحا:" لن يكون هنالك داعي للقلق بشأن ارتفاع أسعار الوقود أو الانقطاعات المستمرة في توفيره، فنظام الطاقة الشمسية سيكون مصدر استدامة معصرتنا"
مع مرور الوقت، بدأت المعصرة تدر عليهم دخلًا ثابتًا، ليس فقط بفضل الطاقة الشمسية التي جعلت العمل أكثر فعالية، بل أيضًا بفضل القدرة على تقديم منتج منافس بأسعار معقولة تخدم مجتمعهم، حيث يتقاسم الشباب المهام بينهم بدأ من تجهيز كميات السمسم والتحضير لعملية العصر والإشراف وتعبئة العلب بالزيت ثم نقلها إلى السوق لبيعها، ويعد السمسم من أهم المحاصيل الزيتية التي تزرع في محافظة أبين، وعصره مهنة متداولة منذ زمن، ليستخدم في أطباق عديدة منها السمسمية وهي حلوى تقليدية تُحضَّر من زيت السمسم وبذوره المحمصة والسكر، وتُعتبر من الوجبات المشهورة في المنطقة، إضافة إلى خبز السمسم وغيره من الوجبات الأساسية لديهم.
لم يعد الابتكار محصورًا في المعصرة فحسب، بل أصبح جزءًا من طريقة تفكيرنا، نحن الآن نرى الفرص حيث كنا نرى التحديات فقط"، يقول عبد الله سعيد، أحد الشركاء في المشروع الذي لم يتميز فقط بتقنيته المستخدمة وتفرده، بل في تأثيره على المجتمع المحلي، فالمعصرة لم تقتصر على تحسين حياتهم وحسب، ولكنها نشرت ثقافة جديدة وغريبة على أهالي منطقة مديرية أحور والتي أصبحت حديث الساعة كونها أول معصرة سمسم تعمل بالطاقة المتجددة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكلما بدأوا في رؤية تأثير مشروعهم، بدأ الآخرون من أبناء المنطقة يطلبون مساعدتهم وتوجيهاتهم، أصبحوا اليوم مصدرًا للمعرفة والإلهام، حيث يساعدون جيرانهم في استخدام الطاقة الشمسية لمشاريعهم الخاصة، ويعلمونهم كيف يمكن للطاقة المتجددة أن تسهم في تحسين وضعهم المعيشي، ويضيف: " نقوم بمساعدة من حولنا في استخدام الطاقة المتجددة في حياتهم، سواء كانت لإضاءة منازلهم أو لتشغيل معداتهم الصغيرة."
أن التدريب الجاد والفرص المناسبة يمكن أن تحول التحديات إلى نجاحات، لم يكن تدريبهم مجرد فرصة لتعلم مهارات جديدة، بل كان نقطة انطلاق لمستقبل مختلف، وبفضل هذه الفرصة، أصبحوا اليوم ليس فقط رواد أعمال، بل رموزًا للإلهام في مجتمعهم، ليبرهنوا على أن الأمل يمكن أن يولد حتى في أحلك الظروف.
لم تعد معاصر السمسم في أحور مجرد أماكن للعمل، بل أصبحت رموزًا للابتكار والتغيير، وهذا كله بفضل البرنامج الذي قدم لهم الأدوات والمعرفة اللازمة ليصنعوا فرقًا حقيقيًا في حياتهم وحياة الآخرين.